أهمية
علم النسب عند العرب في الجاهلية :
اشتهر
العرب في عصر ما قبل الإسلام باهتمامهم بالأنساب والمحافظة عليها، بسب الوضع القبلي
السائد في الجزيرة منذ القدم ، ويتحلى العربي بالشجاعة والكرم والشهامة والتعصب القبلي
والولاء للعشيرة وتقاليدها وقيمها ، كان العرب قبل الإسلام لا تجمع قبائلهم تحت لواء
أمير وملك الا ما ندر.
أهتم
العرب في الجاهلية بأنسابهم قبل الإسلام اهتماما كبيراً ، وهو امر يتناسب تماما مع
طبيعة حياتهم الاجتماعية،حيث ان القبيلة كانت تمثل الوحدة السياسية والاجتماعية عند
العرب ، وكان النسب عند العرب يمثل النواة التي تجتمع حولها كل قبيلة ، وحلقة الوصل
القوية التي تربط بين أبناء القبيلة الواحدة كما يظهر ذلك في تكافل الإفراد في دفع
الدية وواجب الدفاع عن حمى القبيلة.
فللنسب
أهمية كبيرة في حياة افراد القبيلة الواحدة ، لأن بعض القبائل قد ينفصل منها بعض افرادها
ويكونون قبيلة مستقلة او تندمج القبيلة بأكملها بقبائل أخرى بأعتبارات سياسية اوأقتصادية
ولكنها تبقى متصلة بالقبيلة الام برابط النسب.
وان
علم النسب من العلوم المهمه التي خص الله بها العرب في الجاهلية ، وليس الاهتمام بهذا العلم وليد عصر جديد
او مختص ببلاد معينة فهو منذ خلق الله الأرض وما عليها فقد اختص العرب بمعرفة الأنساب
كما اختص كل طائفة بعلم خاص بهم حيث اختص الروم بعلوم الطب ولأهل اليونان الحكمة والمنطق
ولأهل الهند التنجيم والحساب ولأهل الصين الصنائع وللعرب الأمثال والنسب لذا فان هذا
العلم خاص بهم وقد حفظ العرب أنسابهم فكل واحد يحفظ نسبه إلى عدنان او قحطان او الى
إسماعيل او ادم عليهم السلام ولا يدخل في انساب العرب الدعي وخلصت أنسابهم من شوائب
الشك والشبه.
وفي
ذلك يقول ابن حزم في كتاب جمهرة أنساب العرب (( وانك لترى البدوي منهم ذاهباً خلف ثلة
من الضأن تركها اذا خاطبته وجدته أحمق الناس واجهلهم بكل شئ وهو مع ذلك يعرف قبيلته
وبطنه وفخذه وربما رفع نسبه الى جده الأعلى )) .
وبذلك
ظلت أنسابهم محفوظة نقية خالصة من الشك والشبهة فالعرب هم الذين حفظوا النسب وضبطوه،
وكان العرب اذا فرغوا من المناسك حضروا سوق عكاظ في مكة يتفاخرون بأنسابهم فرأوا ذلك
من تمام الحج . وفي ذلك قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ) سورة البقرة الاية (200)
.
فهذا
النسب، على هذه الشاكلة ظاهرة إيجابية، ومفهوم جيد في الحياة القبلية العربية. لأنه
يربط شمل القبيلة، ويجمع شتاتها ويحميها من كل معتد أو طامع. لكنه حين يدفع إلى التفاخر
والخيلاء، والزهو والغطرسة، يصبح ظاهرةً سلبيةً منبوذةً. يجب كشف ضررها، وبيان المناحي
السلبية فيها.
وهي
إذ تصبح كذلك، تنبذ ويؤخذ بالحسب بدلاً منها. وهذا سر نبذ الإسلام للتفاخر بالأنساب،
واحترامه للحسب، على أنه الفعل الحسن كما في الحديث النبوي: "حسب الرجل خلقه(5)
" وحسب المرء دينه مروءة عقله، وحسبه(6) عقله أيضاً.
وبهذا
يكون الحسب أحياناً معززاً للإيجابي من النسب، وملتزماً معه بفائدة المجتمع وجزءاً
من لخير العام الذي ينمّي القيم والمفاهيم الإيجابية.
وقد
أكد بعض الشعراء قيمة هذا التلازم بين النسب والحسب، ليأتي منهما الخير العميم، وإلا
فالنسب الكريم دون حسب يحميه يصبح لئيماً ذميماً كما في قول المتلمّس(7) :
ومن
كان ذا نسب كريم، ولم يكن ... له حسب، كان اللئيم المذمما(8)
ويجنح
هذا المفهوم إلى السلبية المغرقة حين يدفع كثيراً من القائلين به إلى التطرف بالتفاخر،
وهو التعاظم، فيصبح هذا التفاخر من أهم مظاهر الحياة الاجتماعية سلبية(9) .
وينشغل
العرب بهذا الأمر، فيتفاخرون بالآباء والأجداد، وبالسيادة والشرف، وبالكثرة، وبالحسب(10)
. ويجرّهم هذا التفاخر إلى الشطط، والتخلف الاجتماعي المؤلم، فيحصل النزاع بين قبيلتين
أو أكثر.
وقد
علا هذا النبر السلبي ذات مرة في المدينة وجر إلى نزاع بين قبيلتين من الأنصار، بني
حارثة، وبني الحارث، فتفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان وفلان، وقال الآخرون
مثل ذلك. تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين
تقول: فيكم مثل فلان ومثل فلان؟ يشيرون إلى القبر وتقول: الأخرى مثل ذلك، فأنزل الله(11)
: "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر(12) ".
وقد
اشتهر في هذا المنحى قول للشاعر المخضرم عمرو بن معد يكرب الزبيدي، يقول فيه(13) :
ليس
الجمالُ بمئزرٍ ... فاعلم وإن رُدّيت بُرْدَا
إن الجمالَ
معادنٌ ... ومناقبٌ أورثنَ حَمْدَا
فعمرو
- الذي أسلم فيما بعد - لا يكتفي بالمناقب، وهي الأعمال والخصال الحميدة، بل يصرّ على
المعادن، وهي الطبائع الشريفة التي يرثها الرجل عن آبائه.
إذا
كانت المناقب وجهة إيجابية، فإن التفاخر بالمعادن فقط وجهة سلبية، إذا لم يرافقها من
المناقب ما يثبت ذلك فالأصل تتبعه الفروع وكي تكون الفروع مثل الأصل، يجب أن تَحْمِلَ
مناقبَ الأصلِ كذلك.
وقد
بلغ من إيمانهم بالنسب أن اعتقدوا أن النسب الوضيع - أو اللئيم كما سموه - لا يزكيه
عمل مهما يكن حميداً!.. ومن هذا ندرك أنهم قبل الإسلام كانوا يؤمنون بأرستقراطية مسرفة
تساوي في إسرافها الأرستقراطية الإنجليزية في العصر الفيكتوري، حين كان الإنجليز يؤمنون
أن بعض الدماء زكية أو (زرقاء) بطبيعة وراثتها، وأن من ولد من العامة لا يصير أبداً
إلى أن يكون من الأشراف، حتى قالوا: (أن الملك يستطيع أن يمنح الألقاب ولكنه لا يستطيع
أن يجعل من الشخص العادي جنتلماناً(14) .
وقد
جعلهم هذا المفهوم متغطرسين أحياناً، بحيث أن كثيراً منهم كان يعقد الأولويّة لنفسه
في كل شيء، لأنه أفضل منهم، بل ربما غالى فجعل نفسه أفضل من كل الأموات أيضاً، ولو
عُدّت قبور هؤلاء الموتى واحداً بعد واحد، كما جاء على لسان الشاعر الجاهلي عصام بن
عبيد الزمّاني(15) في رسالة شعرية أرسلها إلى أحد أصدقائه(16) :
أبلغ
أبا مَسْمَعٍ عنّي مغلغلةً ... وفي العتاب حياةٌ بين أقوام
أدخلتَ
قبلي قوماً لم يكنْ لهم ... في الحق أن يدخلوا الأبواب قدّامي
لو عُدَّ
قبرٌ وقبرٌ كُنْتُ أكرَمهم ... ميتاً وأبعدَهم من منزلِ الذَّامِ
تحميل بحث علم النسب الانساب والقبائل حكم الانساب في الجاهلية doc
بحث علم النسب الانساب والقبائل حكم الانساب في الجاهلية pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق